
تواجه المجتمعات الحديثة تحديا صحيا متزايدا يتمثل في انتشار زيادة الوزن والسمنة بين الأطفال والمراهقين وهي ظاهرة لم تعد تقتصر على البالغين فقط حيث باتت الأجسام الصغيرة عرضة لتراكم الدهون وما يتبع ذلك من مشكلات صحية ونفسية معقدة وهو ما يثير تساؤلات ملحة لدى الأهالي حول ضرورة اتباع أبنائهم لنظام غذائي وكيفية تطبيقه بأمان.
أكدت الدكتورة مها سيد اخصائية التغذية العلاجية أن قرار إخضاع طفل أو مراهق لنظام غذائي ليس بالأمر الهين بل يتطلب تخطيطا علميا ووعيا عميقا فالهدف ليس تحسين المظهر الخارجي فحسب بل حماية الصحة على المدى البعيد وأشارت إلى أن رحلة الوصول إلى وزن صحي يجب أن تكون تجربة مشتركة بين الأسرة والطفل تقوم على الدعم والتوازن بدلا من الضغط والحرمان.
لا يعد كل طفل يعاني من زيادة طفيفة في الوزن مرشحا لنظام غذائي صارم فمرحلتا الطفولة والمراهقة هما فترتان حاسمتان للنمو الجسدي والعقلي وأي نقص غذائي غير مدروس قد يتسبب في مشاكل تفوق خطورة الوزن الزائد نفسه لذلك يجب أن يستند قرار التدخل الغذائي إلى تقييم طبي شامل يحدد الضرورة الحقيقية له.
يصبح النظام الغذائي ضروريا في حالات معينة منها السمنة المفرطة التي يتجاوز فيها مؤشر كتلة الجسم المعدلات الطبيعية لعمر الطفل وطوله بشكل كبير وكذلك عند ظهور مضاعفات صحية مرتبطة بالوزن مثل ارتفاع ضغط الدم ومستويات الكوليسترول وظهور مرض السكري من النوع الثاني أو مشاكل في المفاصل وصعوبات في التنفس كما أن التأثير النفسي والاجتماعي للسمنة مثل التعرض للتنمر وضعف الثقة بالنفس والانعزال يعد سببا مهما للتدخل وأخيرا إذا كان لدى العائلة تاريخ وراثي مع الأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب فإن التدخل المبكر يصبح إجراء وقائيا مهما.
إن الاعتقاد بأن حمية الأطفال تعني منعهم من الطعام أو خفض السعرات الحرارية بشكل عشوائي هو مفهوم خاطئ تماما فالنهج الصحيح يكمن في إعادة هيكلة العادات الغذائية ونمط الحياة ككل ويرتكز على مبادئ أساسية أولها التوازن وليس الحرمان حيث يجب أن يتضمن النظام الغذائي جميع العناصر من بروتينات وكربوهيدرات صحية ودهون مفيدة بكميات محسوبة.
من الضروري التركيز على جودة الطعام عبر استبدال الوجبات السريعة والمشروبات السكرية بالخيارات الصحية كالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة ومنتجات الألبان قليلة الدسم كما أن تقسيم الوجبات إلى أربع أو خمس وجبات صغيرة على مدار اليوم يساعد في السيطرة على الجوع الشديد ويعزز عملية الأيض ويعتبر تشجيع الطفل على شرب كميات كافية من الماء عنصرا أساسيا إذ كثيرا ما يخلط الجسم بين إشارات الجوع والعطش ما يؤدي إلى استهلاك سعرات زائدة.
لا يمكن تحقيق نتائج مستدامة وفعالة بالاعتماد على النظام الغذائي وحده فالنشاط البدني هو شريك لا غنى عنه في رحلة إنقاص الوزن لكن يجب أن تكون الأنشطة المختارة ممتعة ومحببة للطفل لضمان استمراريته وينصح للأطفال بممارسة ساعة من اللعب النشط يوميا مثل ركوب الدراجات أو السباحة أو ألعاب الكرة أما المراهقون فيمكنهم الانخراط في تمارين أكثر تنظيما كالجري أو التمارين الرياضية الجماعية.
للرياضة فوائد تتجاوز حرق السعرات الحرارية فهي تلعب دورا محوريا في تعزيز الثقة بالنفس وتحسين الحالة المزاجية وتفريغ التوتر النفسي الذي قد يكون في كثير من الأحيان سببا رئيسيا للإفراط في تناول الطعام.
قد يدفع القلق بعض الأهالي إلى تطبيق أنظمة غذائية قاسية على أطفالهم وهذا السلوك قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تشمل ضعف النمو الجسدي نتيجة نقص العناصر الأساسية كالبروتينات والمعادن وقد يعاني الطفل أيضا من صعوبات في التركيز وتراجع في التحصيل الدراسي بسبب نقص الطاقة كما أن نقص الكالسيوم وفيتامين د يهدد صحة العظام والأسنان وعلى الصعيد النفسي قد تتطور لدى الطفل اضطرابات أكل خطيرة مثل الشره المرضي أو فقدان الشهية العصبي إذا ارتبطت تجربة الحمية بمشاعر سلبية وضغط نفسي لذلك لا بد أن تكون أي خطة غذائية تحت إشراف طبيب متخصص.
يجب إدراك أن سمنة الأطفال ليست مجرد معادلة سعرات حرارية بل قد تكون انعكاسا لمشكلات نفسية كامنة كالقلق أو الاكتئاب حيث يجد الطفل في الطعام وسيلة للراحة لذا يجب أن يترافق أي تعديل غذائي مع دعم نفسي وعاطفي قوي من الأسرة من خلال الابتعاد كليا عن التوبيخ أو السخرية من وزن الطفل وتشجيعه على التغيير بخطوات تدريجية مع الاحتفاء بكل إنجاز يحققه مهما كان صغيرا.
لتحقيق النجاح يجب على الأهل تبني نمط حياة صحي ليصبحوا قدوة لأبنائهم بدلا من فرض قيود على الطفل وحده ويمكن للأسرة البدء بخطوات عملية بسيطة مثل زيارة أخصائي تغذية لوضع خطة واقعية وتجهيز وجبات صحية في المنزل وتقليل الاعتماد على الأطعمة الجاهزة وتحديد أوقات معينة لاستخدام الشاشات لتشجيع الحركة وإشراك الطفل في عملية اختيار الأطعمة الصحية وتحضيرها لزيادة حماسه والتزامه.