الخرف الجيني.. نظام غذائي شهير يواجه مخاطر الإصابة الوراثية به

الخرف الجيني.. نظام غذائي شهير يواجه مخاطر الإصابة الوراثية به
الخرف الجيني.. نظام غذائي شهير يواجه مخاطر الإصابة الوراثية به

كشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة نيتشر ميديسن أن اتباع نظام غذائي متوسطي يوفر حماية كبيرة ضد الإصابة بالخرف. وتبرز أهمية هذه الحماية بشكل خاص لدى الأفراد الذين لديهم استعداد وراثي مرتفع للمرض حيث يمكن لخياراتهم الغذائية أن تقلل بشكل ملموس من خطر تدهور صحتهم الإدراكية.

يعرف الخرف بأنه حالة عصبية معوقة تصيب الدماغ وتتفاقم أعراضها مع مرور الوقت وهو يعد من أكثر الأمراض تأثيراً على مستوى العالم. تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 55 مليون مصاب بالخرف حالياً مع تسجيل حوالي 10 ملايين حالة جديدة سنوياً ومن المتوقع أن يتزايد هذا العدد ليتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2050.

تحدث الإصابة بالخرف نتيجة تلف خلايا الدماغ أو موتها مما يؤدي إلى تراجع تدريجي في الوظائف المعرفية ويؤثر على المزاج والسلوك والشخصية. من بين أشكاله الشائعة مرض الزهايمر والخرف الوعائي وعلى الرغم من عدم وجود علاج شافٍ فإن بعض التغييرات في نمط الحياة يمكن أن تساعد في إدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة.

وفي هذا السياق أكدت دراسة علمية رائدة أن تبني نظام غذائي صحي يعتمد على الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والدهون الصحية يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف حتى بالنسبة لأولئك الذين لديهم قابلية وراثية.

يتميز النظام الغذائي المتوسطي بكونه نظاماً نباتياً بالأساس يركز على الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات والبذور ويعد زيت الزيتون البكر الممتاز المصدر الرئيسي للدهون فيه. يتضمن هذا النمط الغذائي أيضاً كميات معتدلة من الأسماك والدواجن ومنتجات الألبان والبيض مع تناول اللحوم الحمراء في مناسبات نادرة.

يرتبط هذا النظام الغذائي بفوائد صحية متعددة لا تقتصر على صحة الدماغ فهو يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان وداء السكري من النوع الثاني. كما يعتبر أسلوباً غذائياً مستداماً يقدر الأطعمة الطازجة والكاملة ويشجع على نمط حياة متوازن يشمل النشاط البدني المنتظم.

استندت نتائج الدراسة إلى تحليل بيانات امتدت على مدار 34 عاماً وشملت أكثر من 5700 مشارك منهم 4215 امرأة ونحو 1500 رجل. فحص الباحثون العادات الغذائية طويلة الأمد والمستقلبات في الدم والمخاطر الجينية مع تتبع نتائج الصحة الإدراكية للمشاركين بمرور الزمن.

ركز البحث بشكل خاص على جين APOE4 الذي يُعتبر أقوى عامل خطر وراثي معروف لمرض الزهايمر. إن وجود نسخة واحدة من هذا الجين يرفع خطر الإصابة بمقدار يتراوح بين ثلاث وأربع مرات بينما وجود نسختين منه يزيد الخطر بمقدار اثني عشر ضعفاً مقارنة بالأشخاص الذين لا يحملونه.

أظهرت النتائج أن الالتزام الصارم بالنظام الغذائي المتوسطي يخفض خطر الإصابة بالخرف بشكل ملحوظ وتتجلى هذه الفائدة بوضوح لدى الأفراد الأكثر عرضة للخطر الجيني. فقد شهد المشاركون الذين يحملون نسختين من جين APOE4 انخفاضاً في خطر الإصابة بنسبة تصل إلى 35% تقريباً. في المقابل كان الانخفاض في الخطر أقل لدى من لديهم نسخة واحدة أو لا يحملون أي نسخة حيث بلغ حوالي 5%.

فسر الباحثون هذه النتائج من خلال دراسة نواتج أيض الدم وهي جزيئات صغيرة تعكس كيفية معالجة الجسم للطعام. ويبدو أن النظام الغذائي المتوسطي يؤثر إيجاباً على هذه المسارات الأيضية مما يحمي صحة الدماغ ويساعد على مواجهة الآثار الضارة لجين APOE4 مثل اضطراب معالجة الدهون وزيادة التهاب الدماغ. قد تساهم التغييرات المرتبطة بالنظام الغذائي في مستويات الدهون بتقليل هذا الالتهاب ودعم عملية أيض أكثر صحة في الدماغ.

تأتي هذه الدراسة لتعزز نتائج أبحاث سابقة ربطت بين النظام الغذائي المتوسطي والأنظمة المشابهة له وبين تباطؤ التدهور المعرفي وانخفاض علامات الزهايمر مما يشير إلى أن الاستعدادات الجينية للإصابة بالأمراض قد لا تكون قدراً محتوماً ويمكن التخفيف من تأثيرها عبر خيارات نمط الحياة الواعية.