
أثار الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتغلغلها في تفاصيل الحياة اليومية مخاوف جديدة في أوساط الصحة النفسية حيث ظهر مصطلح يعرف بذهان الذكاء الاصطناعي وهو حالة نفسية تنشأ لدى بعض الأفراد الذين يعتمدون على روبوتات المحادثة لتلبية احتياجاتهم العاطفية ما يؤدي إلى صعوبة التمييز بين الواقع والخيال وتفاقم الأفكار الوهمية لديهم.
يشرح متخصصون في العلاج النفسي السريري أن الذهان بشكل عام هو حالة يفقد فيها الشخص الاتصال بالواقع وقد يكون مدركا لهذه الفجوة أو غافلا عنها تماما وعندما يرتبط هذا المفهوم بالذكاء الاصطناعي فإنه يشير تحديدا إلى الظاهرة التي يتم فيها تحفيز الأوهام أو تضخيمها من خلال التفاعل المستمر والمكثف مع هذه الأنظمة الذكية.
تتخذ هذه الأوهام أشكالا متنوعة فقد تكون ذات طابع ديني أو روحي أو تنطوي على شعور بالعظمة والتميز وامتلاك معرفة خاصة لا يمتلكها الآخرون وفي حالات أخرى تتطور الأوهام لتأخذ منحى رومانسيا حيث يعتقد المستخدم أن علاقة حب متبادلة تجمعه ببرنامج الذكاء الاصطناعي ويغذي الاعتماد المفرط على هذه التكنولوجيا تلك الأوهام ويمنحها مظهرا أكثر واقعية في ذهن الشخص.
يؤكد خبراء الطب النفسي أن روبوتات المحادثة ليست بديلا آمنا أو فعالا للعلاج النفسي التقليدي فهي تفتقر إلى القدرة على التقاط الإشارات غير اللفظية الحاسمة في التواصل البشري كما أنها لا تستطيع توفير التعاطف الإنساني الحقيقي اللازم للعملية العلاجية بالإضافة إلى أن خصوصية وسرية الرسائل التي يشاركها المستخدم مع الروبوت قد لا تكون مضمونة.
بحسب متخصصين في الصحة النفسية فإن الأشخاص الأكثر عرضة لتطوير هذه الحالة هم الذين يعانون مسبقا من حالات مثل الفصام أو الاضطراب الفصامي العاطفي أو الاكتئاب الشديد أو الاضطراب ثنائي القطب لكن الخطر لا يقتصر عليهم فقط إذ يمكن لهذه الظاهرة أن تصيب أيضا أفرادا ليس لديهم أي تاريخ مرضي نفسي سابق.
تعتبر الوحدة والعزلة الاجتماعية من أبرز عوامل الخطر التي قد تدفع الأفراد إلى الاعتماد العاطفي المفرط على الذكاء الاصطناعي كوسيلة للتعويض عن غياب العلاقات الإنسانية الحقيقية ما يجعلهم أكثر هشاشة أمام تطوير أفكار وهمية مرتبطة بهذه التقنية.
للوقاية من هذه المخاطر يوصي المعالجون النفسيون بضرورة وضع حدود واضحة وصارمة لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومن ضمن هذه الإجراءات تجنب اللجوء إليها عند الشعور بالوحدة أو المعاناة من حالة مزاجية منخفضة كما يشددون على أهمية تشجيع الأطفال والمراهقين على عدم الاعتماد على هذه البرامج للحصول على الدعم العاطفي.
عند ملاحظة سلوكيات مقلقة على شخص ما مثل ميله المتزايد للعزلة أو الانسحاب من التفاعلات الاجتماعية أو السهر لساعات طويلة للتحدث مع الذكاء الاصطناعي فمن الضروري اللجوء فورا إلى اختصاصي نفسي للحصول على التقييم والدعم المناسبين قبل أن تتفاقم الحالة.