نجاح العلاقات الزوجية ليس مع شريكك.. السر الحقيقي يبدأ من هنا

نجاح العلاقات الزوجية ليس مع شريكك.. السر الحقيقي يبدأ من هنا
نجاح العلاقات الزوجية ليس مع شريكك.. السر الحقيقي يبدأ من هنا

أكدت الدكتورة عبلة إبراهيم أستاذة التربية والمستشارة في العلاقات الأسرية أن نجاح العلاقة الزوجية لا يتوقف فقط على الحب المتبادل بين الشريكين بل ينبع أساسا من علاقة كل فرد بذاته. فالشخص المتصالح مع نفسه والذي يقدرها حق قدرها يمتلك قدرة أكبر على بناء شراكة حياتية مستقرة ومتوازنة مع الطرف الآخر.

إن النظرة السائدة للزواج غالبا ما تحصره في كونه مسؤولية مشتركة بين طرفين متناسين أن أساس هذه العلاقة يبدأ من الداخل. فالإنسان الذي يجهل ذاته ويحمل جراحا داخلية لم تلتئم سيجد صعوبة كبيرة في إقامة علاقة صحية ومستقرة. فالعلاقة الزوجية في جوهرها ليست مجرد شراكة شكلية بل هي التقاء عميق على المستوى الروحي والفكري والعاطفي بين شخصين قررا خوض رحلة الحياة سويا.

تعتبر العلاقة الصحية مع الذات هي الأساس المتين لكل العلاقات الأخرى فالإنسان الذي يتمتع بوعي عال بمشاعره واحتياجاته يكون أقدر على التعبير عنها بهدوء ووضوح. وفي المقابل فإن الشخص الذي يعيش صراعا داخليا أو يعاني من شعور بالنقص يدخل العلاقة الزوجية بتوقعات غير واقعية بأن يعوضه الشريك عن كل ما يفتقده وهذا ما يفتح الباب واسعا أمام الخلافات والشعور بالإحباط. إن تقبل الذات بمميزاتها وعيوبها والسعي لتطويرها دون قسوة أو جلد يمنح الفرد الثقة اللازمة لمنح الحب واستقباله دون خوف من الرفض أو شعور بعدم الاستحقاق.

للصحة النفسية الجيدة أثر مباشر في إرساء أرضية صلبة من التفاهم والثقة بين الزوجين. فالزوجة التي تشعر بأمان داخلي لن تميل إلى تفسير كل تصرف من زوجها على أنه إهانة موجهة لها. وكذلك الزوج الذي يثق بنفسه لن يرى في استقلالية زوجته أو نجاحها المهني تهديدا لرجولته. هذا التوازن النفسي الداخلي يحصن العلاقة ضد الكثير من التوترات التي تنبع غالبا من مخاوف شخصية وليس من أحداث واقعية.

تعد الغيرة المفرطة مثالا شائعا على ذلك فهي في كثير من الأحيان لا تعكس خطأ ارتكبه الطرف الآخر بقدر ما تكشف عن ضعف إحساس الشخص بقيمته وخوفه العميق من فقدان الحب. عندما يتصالح الإنسان مع نفسه ويدرك أنه جدير بالحب والاحترام وأن وجوده يضيف قيمة للعلاقة تقل لديه مشاعر الشك والغيرة المدمرة.

يؤثر الاضطراب في علاقة الفرد بنفسه بشكل مباشر على جودة التواصل الزوجي فالتواصل الفعال لا يعتمد على الكلمات المنطوقة فقط بل على مشاعر الانفتاح والثقة والقدرة على الاستماع للآخر. الشخص الذي يعاني من صراع داخلي قد يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره فيلجأ إما للصمت المطبق أو للانفجارات الغاضبة. بينما الإنسان المتوازن نفسيا يعرف كيف يطلب الدعم ويصغي لشريكه دون أن يشعر بأن هذا الاستماع يقلل من شأنه. فالتواصل الصحي يبدأ من إدراك الفرد لمشاعره بدقة مما يمكنه من التعبير عنها بوضوح ويفتح المجال لشريكه لفهمه والتفاعل معه بإيجابية.

إن الاستقلال العاطفي شرط أساسي للحب الناضج فالعلاقة الزوجية الناجحة لا تعني ذوبان أحد الطرفين في الآخر بل هي التقاء شخصين مكتملين لكل منهما كيانه المستقل. وهذا الاستقلال لا يعني الجفاء أو البرود العاطفي بل يعني أن كل طرف قادر على تحقيق سعادته وتلبية احتياجاته العاطفية الأساسية دون الاعتماد الكلي على الشريك. فالشخص الذي يحب نفسه لا ينتظر من شريكه أن يمنحه قيمته أو سعادته بل يرى في الزواج مساحة للإثراء المتبادل لا لتعويض النقص. وهكذا تصبح العلاقة قائمة على المشاركة بدلا من التبعية.

يدخل الكثيرون إلى الحياة الزوجية وهم يحملون معهم أعباء وجراحا من الماضي كتجارب طفولة قاسية أو مشاعر بالرفض أو علاقات عاطفية سابقة منكسرة. هذه الجروح إذا لم تتم معالجتها تتحول إلى عقبات حقيقية في العلاقة الزوجية حيث تظهر على شكل حساسية مفرطة أو خوف مرضي من الفقدان أو عدم القدرة على بناء الثقة. لذلك فإن من أهم خطوات بناء زواج ناجح أن يسعى كل طرف لشفاء نفسه من الداخل سواء عبر استشارة متخصص نفسي أو من خلال القراءة والتأمل. فالعلاقة الزوجية ليست ساحة لعلاج الماضي بل هي مساحة تتطلب نفوسا متصالحة قادرة على الحب والعطاء.

ولا تقتصر العلاقة الصحية مع النفس على الجانب النفسي فحسب بل تمتد لتشمل العناية بالجسد أيضا. فالزوج أو الزوجة اللذان يهملان صحتهما الجسدية قد يعانيان من الخمول الدائم أو الانزعاج مما ينعكس سلبا على المزاج العام وبالتالي على العلاقة. بينما يساهم الاهتمام بالتغذية السليمة والنوم الكافي وممارسة الرياضة في تعزيز الطاقة الإيجابية ويجعل الفرد أكثر استعدادا للتفاعل الإيجابي مع شريكه.

يمكن تطوير العلاقة بالذات من أجل زواج ناجح عبر ممارسة الوعي الذاتي من خلال تخصيص وقت يومي للتأمل والكتابة للتعرف على الأفكار والمشاعر. ويمكن تعزيز تقدير الذات عبر الاحتفاء بالإنجازات مهما كانت صغيرة وترديد العبارات الإيجابية. ومن الضروري تعلم كيفية تحديد الحدود الصحية ومعرفة متى يجب قول لا لحماية الطاقة والمشاعر. كما أن طلب المساعدة عند الحاجة من معالج أو صديق موثوق يعد خطوة مهمة وكذلك الاهتمام بالأنشطة والهوايات الفردية التي تغذي الروح وتدعم الاستقلال الشخصي.