
في خضم انتشار الأنظمة الغذائية المتعددة التي تتصدر المشهد الصحي أصبح اختيار الرجيم المناسب مهمة محيرة للكثيرين حيث يجد الفرد نفسه عالقا بين خيارات شائعة مثل حمية الكيتو والصيام المتقطع والنظام النباتي وغيرها من الحميات منخفضة الكربوهيدرات مما يطرح تساؤلا ملحا حول كيفية انتقاء النظام الأكثر فعالية وأمانا للصحة.
أكدت استشاري التغذية العلاجية الدكتورة تيفني ريفورد أن رحلة اختيار النظام الغذائي الصحيح يجب أن تتسم بالوعي والهدوء وليس بالانسياق خلف الصيحات الرائجة فكل جسم له طبيعته الفريدة التي تختلف عن الآخرين من حيث البنية الجسدية ومعدل حرق السعرات الحرارية ومستوى النشاط البدني والتاريخ الصحي وهو ما يجعل نسخ تجارب الآخرين وتطبيقها بشكل عشوائي أمرا محفوفا بالمخاطر فما قد يحقق نتائج مبهرة لشخص قد يتسبب في مشكلات صحية لآخر.
من هنا تبرز أهمية استشارة الطبيب أو اختصاصي التغذية قبل البدء بأي حمية غذائية حيث يعتبر هذا الإجراء خطوة وقائية ضرورية لتجنب الأضرار المحتملة ويمنح المتخصص رؤية شاملة عن حالة الجسم من خلال تقييم معدل الأيض وتحديد نسبة الدهون والعضلات والكشف عن أي نقص في الفيتامينات أو المعادن بالإضافة إلى مراعاة وجود أي حساسية تجاه أطعمة معينة أو أمراض مزمنة وهذا التقييم العلمي الدقيق هو ما يحدد النظام الغذائي القادر على دعم صحتك وتحقيق أهدافك بأمان.
أحد أكبر المفاهيم الخاطئة عن الرجيم هو أنه مرادف للحرمان الشديد بينما تؤكد المبادئ الصحية أن التوازن هو مفتاح النجاح فالحمية الصحية ليست قائمة ممنوعات بل هي نظام متكامل يوفر للجسم جميع احتياجاته مع التحكم في الكميات فالبروتينات أساسية لبناء العضلات وزيادة الإحساس بالشبع والكربوهيدرات المعقدة مثل الشوفان والأرز البني تمنح الطاقة اللازمة للنشاط اليومي بينما تدعم الدهون الصحية الموجودة في زيت الزيتون والأفوكادو والمكسرات صحة القلب والدماغ وإلغاء أي من هذه العناصر بشكل تام قد يؤدي إلى اختلالات صحية خطيرة.
كما ينبغي تجنب الأنظمة القاسية التي تعد بنتائج سريعة وخسارة وزن كبيرة في وقت قصير فهذه الحميات غالبا ما تكون غير مستدامة وتحمل مخاطر صحية جسيمة مثل فقدان الكتلة العضلية بدلا من الدهون والشعور الدائم بالإرهاق والدوخة وقد تسبب اضطرابات هرمونية وتؤثر سلبا على الصحة النفسية والمزاج والأسوأ من ذلك أن الوزن المفقود عبر هذه الطرق يعود بسرعة فور التوقف عن الحمية فيما يعرف بتأثير اليويو دايت.
إن الحمية الناجحة هي تلك التي تتناغم مع نمط حياتك اليومي ولا تتعارض مع روتينك فإذا كانت طبيعة عملك تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا أو ساعات عمل طويلة فإن الصيام المتقطع قد لا يكون الخيار الأمثل وإذا كنت دائم التنقل فقد يصعب عليك الالتزام بنظام غذائي يتطلب تحضير وجبات معقدة لذا فإن اختيار نظام مرن يمكنك الالتزام به على المدى الطويل دون الشعور بالضغط النفسي أو الجسدي هو أساس الاستمرارية والنجاح.
يجب أيضا الانتباه إلى الإشارات التي يرسلها الجسم أثناء اتباع أي حمية فالشعور بالإرهاق المستمر أو ملاحظة تساقط الشعر أو جفاف البشرة أو ضعف التركيز كلها علامات تحذيرية تشير إلى وجود خلل في النظام الغذائي المتبع وأن الجسم لا يحصل على احتياجاته الأساسية فالهدف الأسمى ليس مجرد رقم على الميزان بل الوصول إلى حالة من التوازن الصحي الشامل.
لا يمكن إغفال الدور المحوري للنشاط البدني كعنصر مكمل لأي نظام غذائي فالرجيم وحده قد يساعد على خفض الوزن لكن ممارسة الرياضة بانتظام تضاعف النتائج الإيجابية حيث تساهم في رفع معدل الحرق وتحافظ على الكتلة العضلية التي قد تُفقد أثناء الحمية كما أنها وسيلة فعالة لتقليل التوتر والضغط النفسي وتقي من الأمراض المزمنة وحتى الأنشطة البسيطة مثل المشي اليومي لمدة نصف ساعة تحدث فرقا كبيرا.
إن تحويل العادات الصحية إلى أسلوب حياة دائم هو الضمان الحقيقي للنجاح على المدى الطويل فالهدف ليس إنقاص الوزن بشكل مؤقت بل تغيير السلوكيات الغذائية بشكل جذري ويشمل ذلك اختيار الوجبات الصحية والاعتدال في تناول الحلويات والمقليات والحرص على شرب كميات كافية من الماء والحصول على قسط جيد من النوم فكل هذه العادات مجتمعة تجعل الصحة أسلوب حياة وليس مجرد مرحلة عابرة.