
في كشف علمي بارز قد يغير طريقة تشخيص مرض الزهايمر توصل باحثون إلى أن ضعف حاسة الشم لا يمثل عرضا جانبيا للمرض بل قد يكون مؤشرا مبكرا للغاية يسبق ظهور أي تدهور في الذاكرة أو القدرات الإدراكية ما يفتح الباب أمام إمكانية التدخل العلاجي في مراحل حاسمة من تطور المرض.
كشفت دراسة حديثة اعتمدت على تصوير الدماغ وتحليل عينات أنسجة بشرية وحيوانية عن الآلية العصبية الدقيقة وراء هذا الضعف حيث تبين أن الجهاز المناعي في الدماغ هو المسؤول الرئيس عن هذه الظاهرة وتحديدا نوع من الخلايا المناعية يعرف بالخلايا الدبقية الصغيرة التي تقوم بمهاجمة وتدمير الألياف العصبية الحيوية.
تستهدف هذه الخلايا المناعية بشكل خاص الروابط العصبية التي تصل بين منطقتين مهمتين في الدماغ هما البصلة الشمية والموضع الأزرق وعندما تتلف هذه الألياف تفقد القدرة على نقل ومعالجة إشارات الروائح بكفاءة مما يؤدي إلى تدهور حاسة الشم لدى المريض.
وتقع البصلة الشمية في الجزء الأمامي من الدماغ وتعمل كمحطة استقبال أولية لإشارات الرائحة القادمة من الأنف قبل توزيعها على مناطق أخرى للمعالجة أما الموضع الأزرق الموجود في جذع الدماغ فيلعب أدوارا متعددة تشمل التحكم في تدفق الدم ودورات النوم والاستيقاظ بالإضافة إلى دوره الأساسي في المعالجة الحسية ومن ضمنها حاسة الشم.
أوضح البروفيسور لارس بايجر أن هذه العملية المدمرة تبدأ نتيجة تغيرات حاسمة تطرأ على أغشية الخلايا العصبية حيث ينتقل حمض دهني يسمى فوسفاتيديل سيرين من الجزء الداخلي للغشاء إلى سطحه الخارجي ويعمل هذا الانتقال بمثابة إشارة استغاثة خاطئة تدفع الخلايا الدبقية الصغيرة للتدخل وتفكيك هذه الألياف العصبية والتخلص منها.
ترتبط هذه الاستجابة المناعية بعملية طبيعية تعرف بالتقليم المشبكي وهي آلية يستخدمها الدماغ للتخلص من الاتصالات العصبية غير الضرورية أو غير الفعالة للحفاظ على كفاءة الشبكة العصبية لكن في حالة الزهايمر يتم تفعيل هذه الآلية بشكل مفرط وضار مما يؤدي إلى تلف الأعصاب السليمة.
ويرجح العلماء أن السبب الكامن وراء هذا التنشيط الخاطئ هو فرط النشاط غير الطبيعي الذي تعاني منه الخلايا العصبية بسبب المرض وهذا النشاط الزائد يؤدي إلى إحداث تغييرات في تركيب الغشاء الخلوي وإطلاق إشارات الالتهام بشكل غير صحيح.
اعتمد الباحثون في دراستهم على منهج شامل ومتكامل حيث قاموا بتحليل أدمغة فئران حية وميتة تظهر عليها علامات مرض الزهايمر وفحصوا أنسجة دماغية بشرية تم الحصول عليها بعد الوفاة بالإضافة إلى إجراء مسوح دماغية بتقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لأشخاص مصابين بالمرض أو يعانون من ضعف إدراكي خفيف.
يشير الدكتور يواكيم هيرمس عالم الأعصاب بالمركز الألماني للأمراض العصبية التنكسية إلى أن نتائج الدراسة تقدم فهما أعمق للأسباب التي ظلت غامضة لوقت طويل وتؤكد وجود آلية مناعية تبدأ في وقت مبكر جدا من تطور المرض وهذا الاكتشاف قد يساهم في تطوير أدوات لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة قبل ظهور الأعراض الواضحة.