
يعاني الكثير من الأشخاص من مشكلة رائحة الفم المزعجة التي قد تسبب لهم الإحراج وتؤثر على ثقتهم بأنفسهم وتفاعلهم الاجتماعي حتى مع التزامهم بتنظيف أسنانهم مرتين يوميا. هذه الظاهرة المعروفة علميا باسم البخر الفموي لا تقتصر على كونها مشكلة تجميلية بل قد تشير إلى وجود حالات صحية كامنة تستدعي الانتباه والتقييم الطبي.
يوضح أحد جراحي الفم والوجه والفكين المتخصصين في زراعة الأسنان أن الشكوى من استمرار رائحة الفم الكريهة رغم العناية الفائقة بنظافته هي من أكثر ما يسمعه من المرضى في عيادته. ويؤكد أن هذه المشكلة قد تصيب أي شخص في مرحلة ما ويمكن التعامل معها غالبا عبر إجراءات النظافة الروتينية مثل استخدام فرشاة الأسنان والخيط الطبي وغسول الفم لكن استمرارها يتطلب بحثا أعمق عن الأسباب الجذرية.
من بين الأسباب الأكثر شيوعا والمرتبطة مباشرة بتجويف الفم تأتي أمراض اللثة في المقدمة. فعندما تتراكم طبقات البلاك والجير في الجيوب اللثوية المحيطة بالأسنان تنشط البكتيريا وتطلق مركبات كبريتية متطايرة هي المسؤولة عن الرائحة المنفرة ولا يمكن لفرشاة الأسنان العادية الوصول لهذه المناطق العميقة مما يستلزم تدخلا من طبيب الأسنان لإجراء تنظيف احترافي.
كما يعد اللسان بيئة خصبة لملايين البكتيريا خاصة في جزئه الخلفي ذي السطح الخشن. فمع تنظيف الأسنان قد يهمل الكثيرون تنظيف اللسان بشكل كاف مما يؤدي إلى تراكم بقايا الطعام والخلايا الميتة التي تتحلل بفعل البكتيريا وتطلق روائح كريهة. كذلك تلعب تركيبات الأسنان دورا في المشكلة فالتيجان وأجهزة التقويم أو أطقم الأسنان غير الملائمة قد تخلق فجوات تتجمع فيها فضلات الطعام وتصبح مرتعا للبكتيريا.
يضاف إلى ذلك أن جفاف الفم الناتج عن نقص إفراز اللعاب بسبب عوامل كالتوتر أو الجفاف العام أو تناول بعض الأدوية أو حتى التنفس من الفم يوفر بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا المسببة للرائحة حيث إن اللعاب يلعب دورا حيويا في تنظيف الفم بشكل طبيعي. ولا يمكن إغفال تأثير بعض الأطعمة ذات الرائحة النفاذة كالبصل والثوم والقهوة والكحول التي تبقى رائحتها في الجسم وتخرج مع النفس حتى بعد التنظيف.
في بعض الحالات لا يكون مصدر الرائحة مرتبطا بالفم مباشرة بل قد يكون انعكاسا لحالات صحية أخرى في الجسم. على سبيل المثال يمكن أن تكون عدوى الجيوب الأنفية المزمنة أو التهاب الحلق أو وجود حصوات اللوزتين سببا في رائحة لا يزيلها تنظيف الأسنان.
كذلك قد يكون الارتجاع المعدي المريئي سببا رئيسيا حيث إن ارتجاع أحماض المعدة إلى المريء والفم لا يسبب فقط تآكل الأسنان بل ينتج عنه رائحة كريهة ومميزة. وفي سياق مختلف قد يشير ظهور رائحة نفس تشبه رائحة الفاكهة إلى حالة الحماض الكيتوني السكري وهي من مضاعفات مرض السكري غير المسيطر عليه.
في حالات نادرة جدا قد تكون رائحة الفم المستمرة علامة على وجود خلل في وظائف بعض الأعضاء الحيوية مثل أمراض الكبد أو الكلى. لذا فإن تجاهل هذه المشكلة والاكتفاء باستخدام معطرات الفم أو النعناع ليس حلا بل يجب اعتبارها إشارة تحذيرية تستدعي الفحص الطبي لتحديد السبب الحقيقي وعلاجه بشكل فعال.