
كشف فريق من الباحثين اليابانيين في معهد أبحاث الدماغ بجامعة نيغاتا عن نتائج علمية هامة تربط بشكل مباشر بين العوامل البيئية والسلوكيات الاجتماعية لدى الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد مشيرة إلى أن تهيئة المحيط المناسب قد يساهم في تحسين قدرتهم على التفاعل وخفض مستويات القلق لديهم.
واعتمدت الدراسة في منهجيتها على استخدام أسماك الزرد كنماذج تجريبية حيث حملت هذه الأسماك طفرة جينية في جين يعرف باسم UBE3A وهو جين تم ربطه سابقا بحالات مثل متلازمة أنجلمان وبعض اضطرابات التوحد. وقام الفريق العلمي بمراقبة سلوك الأسماك ضمن بيئتين متناقضتين تماما الأولى كانت حوضا من الستايروفوم الأبيض المصمم خصيصا ليكون بيئة غير مألوفة والثانية حوضا من البليكسي غلاس يحاكي محيطا أكثر راحة وأمانا للأسماك.
وسجلت الملاحظات السلوكية فروقات واضحة بين البيئتين فقد أظهرت الأسماك الحاملة للطفرة الجينية ميلا لقضاء وقت أقل في التواصل مع أقرانها كما بدت عليها علامات قلق مرتفعة عندما كانت في الحوض الأبيض المجهد. وفي المقابل لوحظ تحسن ملحوظ في استجاباتها الاجتماعية وتفاعلها مع الأسماك الأخرى عند نقلها إلى البيئة التي تبعث على الأمان.
ولم يكتف الباحثون ومن بينهم الدكتور جودفريد دوجنون والدكتور هيدياكي ماتسوي بالملاحظة السلوكية بل دعموا نتائجهم باختبارات إضافية لقياس القلق بشكل دقيق وأجروا تحليلا للنشاط العصبي عبر رسم خرائط دماغية وفحصوا تسلسل الحمض النووي الريبي RNA بهدف كشف الآليات الجينية التي تقف خلف هذه الاستجابات السلوكية المتغيرة.
وكشفت تحليلات النشاط الدماغي عن حدوث تغيرات في مناطق عصبية معينة بينما أظهر الفحص الجيني زيادة في تعبير الجينات المسؤولة عن الرؤية وما يرتبط بها من اضطرابات. كما تبين وجود اختلالات في المسارات الحسية وهو ما يشير إلى أن المعالجة غير السليمة للمعلومات البصرية والمحفزات الخارجية هي السبب وراء زيادة القلق.
وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن البيئات المجهدة بصريا تؤدي إلى تفاقم مستويات القلق وتراجع التفاعل الاجتماعي بسبب سوء معالجة المحفزات بينما تتحسن هذه السلوكيات بشكل كبير في بيئات مألوفة ومريحة. ويقدم هذا الكشف أدلة واعدة نحو إمكانية تطوير استراتيجيات تدخل بيئي لتحسين التحديات السلوكية المرتبطة بالتوحد مع الأمل في تطبيق هذه المبادئ مستقبلا لمساعدة البشر.