
لم يعد الطلاق ظاهرة تقتصر على الزيجات القصيرة أو الأزواج في مقتبل العمر بل امتد ليشمل زيجات دامت لعقود طويلة حيث برز مفهوم جديد يعرف بالطلاق الرمادي وهو الانفصال الذي يقع بين الأزواج الذين تجاوزوا سن الخمسين بعد حياة مشتركة طويلة وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب انهيار العلاقات التي يفترض أنها الأكثر استقرارا.
تكشف العديد من الدراسات والإحصاءات المتعلقة بظاهرة الطلاق الرمادي أن الرجل يكون غالبا هو المبادر بطلب الانفصال في هذه المرحلة العمرية المتقدمة الأمر الذي يطرح سؤالا محوريا حول الدوافع النفسية والاجتماعية التي تقود الرجل إلى التخلي عن شريكة حياته بعد سنوات طويلة من العشرة والمشاركة في بناء أسرة.
يشير خبراء الطب النفسي إلى أن أحد أبرز الأسباب يكمن في انطفاء الشرارة العاطفية والحميمية بين الزوجين بمرور الزمن حيث تتحول العلاقة إلى مجرد روتين ومسؤوليات مشتركة خالية من الدفء والمشاعر فيشعر الرجل بفراغ عاطفي كبير ويفقد الإحساس بالاهتمام والتقدير ليبدأ البحث عن علاقة جديدة تعيد له الشعور بالحيوية والشباب.
يتزامن وصول الرجل إلى هذه المرحلة العمرية مع تغيرات كبيرة في حياته مثل مغادرة الأبناء للمنزل أو اقترابه من سن التقاعد مما يمنحه وقتا للتفكير في حياته وما حققه وهنا قد يشعر بعض الرجال بأنهم ضحوا بأحلامهم وطموحاتهم الشخصية من أجل الأسرة وتنمو لديهم رغبة متأخرة في البحث عن الذات وتحقيق الحرية الشخصية حتى لو كان ثمن ذلك هو إنهاء الزواج.
من جهة أخرى قد يؤدي غياب الحوار الفعال والتفاهم لسنوات طويلة إلى تراكم الخلافات الصغيرة والمشكلات غير المحلولة مما يخلق فجوة عميقة بين الزوجين مع مرور الوقت يشعر الرجل أنه يعيش مع شخص غريب لا يشاركه اهتماماته أو يفهم أفكاره مما يعزز رغبته في الانفصال والبدء من جديد.
في بعض الحالات يكون السبب هو دخول الرجل في علاقة عاطفية جديدة خارج إطار الزواج يجد فيها ما يفتقده من إعجاب واهتمام وتجديد لمشاعره فتصبح هذه العلاقة هي المحفز الرئيسي لاتخاذ قرار الانفصال عن زوجته بالرغم من الروابط الأسرية والعشرة الطويلة التي جمعتهما.
يضاف إلى ذلك أن بعض الرجال يصلون في هذه المرحلة إلى ذروة نجاحهم المهني وتحقيق الاستقرار المادي مما يمنحهم ثقة زائدة بالنفس وشعورا بالقدرة على إعادة بناء حياتهم بسهولة فيعتقدون أن بإمكانهم بدء حياة جديدة وتشكيلها وفقا لرؤيتهم الخاصة دون قيود أو مسؤوليات قديمة.
كما قد يلعب عدم تفهم الرجل للتغيرات الجسدية والنفسية التي تمر بها المرأة مع تقدمها في العمر دورا مهما فالتغيرات الهرمونية تؤثر على مزاجها وطبيعتها وإذا لم يقابل ذلك بالوعي والدعم النفسي من الزوج فقد يؤدي إلى ابتعاده وشعوره بالنفور بدلا من الاحتواء والتفهم.
ومع ذلك يؤكد المختصون أن الطلاق في سن متقدمة ليس هو الحل الأمثل دائما لأنه يحمل تبعات نفسية واجتماعية معقدة على جميع أفراد الأسرة ويمكن تجنب الوصول إلى هذه المرحلة من خلال تجديد العلاقة بالحوار الصريح واللجوء إلى الاستشارات الزوجية وإعادة اكتشاف الاهتمامات المشتركة والأنشطة التي تعيد الحياة للروابط العاطفية بين الشريكين.