
كشفت أبحاث علمية حديثة عن وجود آلية حيوية مذهلة لتنظيف الدماغ تحدث أثناء النوم حيث يقوم العقل بعملية غسيل ذاتي للتخلص من الفضلات السامة التي تتراكم نتيجة لنشاطه اليومي المستمر وقد أطلق العلماء على هذه المنظومة اسم النظام الجليمفاوي الذي يلعب دورا محوريا في الحفاظ على صحة الخلايا العصبية.
كان السؤال حول كيفية تخلص المخ البشري من نفاياته يمثل لغزا حير العلماء لعقود طويلة فهذه الفضلات تشمل بروتينات وجزيئات زائدة يمكن أن تتحول إلى مواد شديدة السمية إذا تراكمت ومن أبرزها بروتينا الأميلويد بيتا وتاو اللذان يرتبطان بشكل مباشر بالإصابة بمرض الزهايمر. وعلى عكس باقي أعضاء الجسم التي تعتمد على الجهاز الليمفاوي لنقل السوائل الزائدة والفضلات إلى الطحال والعقد الليمفاوية ومنها إلى مجرى الدم للتخلص منها فإن الدماغ محاط بحاجز وقائي يعرف بالحاجز الدموي الدماغي هذا الغلاف يمنع وصول العدوى إلى الخلايا العصبية لكنه في الوقت ذاته يعيق خروج أي مواد من الدماغ بالطرق التقليدية.
يوضح جيفري إيليف أستاذ طب النفس والأعصاب بجامعة واشنطن أن تعطل النظام الجليمفاوي المسؤول عن إزالة الفضلات أثناء النوم يؤدي على الأرجح إلى الإصابة باضطرابات عصبية ونفسية خطيرة ويعتقد أن هذا الخلل قد يكون التفسير الرئيسي وراء تراكم بروتينات الأميلويد وتاو في الدماغ مع التقدم في العمر. وأشار إيليف إلى أن المتخصصين في مجال النوم كانوا يركزون لسنوات على دور النوم في تخزين الذكريات بينما لم يدرك الباحثون الذين درسوا المساحات المحيطة بالأوعية الدموية في المخ الغرض الحقيقي منها ولم يتوقعوا أنها قد تكون قنوات ديناميكية لتدفق السوائل بهذه الكفاءة.
أكدت التجارب التي أجريت على الفئران صحة هذه النظرية بشكل قاطع ففي إحدى الدراسات قامت الباحثة نيدرجارد وفريقها بحقن متتبعات فلورية في أمخاخ فئران لمراقبة تدفق السائل النخاعي وأظهرت النتائج أن تدفق هذه السوائل يتراجع بنسبة تصل إلى 95 بالمئة خلال فترة الاستيقاظ مقارنة بفترة النوم. والأهم من ذلك أن حجم القنوات الموجودة بين الأوعية الدموية اتسع بنسبة 60 بالمئة عندما كانت الفئران نائمة أو تحت تأثير التخدير وهو ما يثبت حدوث تغيرات فسيولوجية عميقة خلال غياب الوعي تزيد من قدرة المخ على تنظيف نفسه.
ولم تقتصر الأدلة على حيوانات التجارب ففي دراسة أجريت على البشر عام 2021 بقيادة جراح الأعصاب بيير كريستيان إيدي من مستشفى جامعة أوسلو تم حقن متتبعات فلورية في مجموعة من المتطوعين وقسموا إلى فريقين أحدهما سُمح له بالنوم بشكل طبيعي والآخر ظل مستيقظا طوال الليل. وأظهر التصوير بالرنين المغناطيسي أن حركة السوائل النخاعية كانت بطيئة للغاية لدى المجموعة التي حرمت من النوم والأثر المقلق هو أنه حتى بعد السماح لهم بالنوم في الليلة التالية ظل معدل تدفق السائل لديهم أبطأ مقارنة بالفريق الآخر مما يشير إلى أن أضرار الحرمان من النوم لا يمكن تعويضها بسهولة.
ويؤكد الباحثون أن جسم الإنسان ينتج ويتخلص من كمية من السوائل النخاعية تعادل ثلاثة إلى أربعة أضعاف مخزونه يوميا ورغم أن بعض الدراسات المبكرة ربطت تدفق هذه السوائل بنبضات القلب إلا أن دور النوم العميق في هذه العملية لم يتضح إلا مؤخرا. ويخلص إيدي إلى أنه على الرغم من وجود اختلافات في سرعة عمل النظام الجليمفاوي بين البشر والفئران حيث تستغرق التغيرات في الدماغ البشري ساعات بدلا من دقائق إلا أن المبدأ الأساسي يظل ثابتا وهو أن العقل البشري يغتسل أثناء النوم وأن نقص النوم يؤثر سلبا على كفاءة هذه الآلية الحيوية.