
تحولت الأمراض المزمنة غير السارية مثل السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم إلى التحدي الصحي الأكبر على مستوى العالم حيث تشير تقارير دولية إلى أنها أصبحت المسبب الرئيسي للوفيات عالميا مع توقعات مقلقة بأن تصل نسبتها إلى ستة وثمانين بالمئة من إجمالي الوفيات بحلول عام 2050 ما لم تتخذ إجراءات وقائية عاجلة وفعالة.
وتأتي أنماط الحياة الحديثة غير الصحية في مقدمة الأسباب التي تقف خلف هذا الانتشار الواسع فالاعتماد المتزايد على الأطعمة المصنعة المشبعة بالدهون والسكريات والأملاح بجانب تراجع مستويات النشاط البدني أدى مباشرة إلى تفشي ظاهرة السمنة التي تعد بوابة رئيسية للإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني وأمراض الكلى المزمنة وقد تضاعفت معدلات السمنة عالميا بين البالغين والأطفال بشكل يثير القلق.
كما يلعب الالتهاب المزمن دورا محوريا في تفاقم هذه الأمراض وتوضح دراسات حديثة أن هذا الالتهاب لم يعد مرتبطا بالشيخوخة فقط بل أصبح نتيجة مباشرة لعوامل حياتية مثل قلة النوم والتوتر النفسي المستمر والتعرض للتلوث بالإضافة إلى اتباع أنظمة غذائية غير متوازنة تفتقر إلى العناصر الأساسية.
ولا يمكن إغفال التأثيرات البيئية الخطيرة فتلوث الهواء خاصة بالجسيمات الدقيقة ارتبط بشكل وثيق بزيادة مخاطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب والرئة المزمنة كما أن التغيرات المناخية الأوسع نطاقا تؤثر سلبا على الصحة العامة للسكان وتزيد من العبء المرضي على المجتمعات.
وفي سياق متصل يمثل التقدم في السن عاملا ديموغرافيا أساسيا في زيادة معدلات الأمراض المزمنة فمع مرور الوقت تتراكم عوامل الخطر لدى الأفراد مما يجعل كبار السن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض غير السارية وتزداد معاناتهم بسبب ضعف قدرة الجسم على مواجهة التحديات الصحية.
وتتفاقم الأزمة بسبب وجود فجوات واضحة في الخدمات الصحية والاجتماعية حيث يواجه السكان محدودو الدخل صعوبات أكبر في الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة والتغذية السليمة وقد زادت الضغوط على الأنظمة الصحية بعد الجائحة العالمية الأخيرة مما أدى إلى تأخير تشخيص وعلاج الكثير من الحالات المزمنة وتدهورها.
ومن جانب آخر فإن جزءا من الزيادة الملحوظة في أعداد المصابين يعود إلى التقدم الكبير في التكنولوجيا الطبية وتحسن أساليب التشخيص فقد ساهم ذلك في الكشف المبكر عن أمراض كانت مهملة أو غير مكتشفة في السابق مثل أمراض المناعة الذاتية وأنواع مختلفة من الحساسية وهو ما جعل الأرقام المسجلة تبدو أكبر مما كانت عليه في الماضي.