عبدالله السناوي لـ”الرئيس نيوز”:
- الوضع مُلتبس وحضورنا في سوريا ضعيف لكننا نملك ورقة وحيدة رابحة
- زيارة وفد مصري لسوريا حال حدوثه يعطي شرعية مجانية للشرع وهيئته
- الوصاية على سوريا انتقلت من إيران إلى تركيا.. وإسرائيل المستفيدة الأكبر
موجة دعوات كبيرة وواسعة تشهدها منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، تدعو القاهرة إلى المُسارعة في التواصل مع المجموعات المسلحة الجديدة التي تبسط سيطرتها حاليًا على العاصمة السورية، بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، بقيادة قائد ما يسمى “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، أو كما يحب أن يُطلق عليه حاليًا (أحمد الشرع)، المُدرج هو وهيئته على قوائم التنظيمات الإرهابية في أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، فضلًا عن كثير من البلدان العربية.
وبينما تلتزم القاهرة الصمت الرسمي إزاء موقفها من المجموعات الجديدة التي تسيطر على الأرض في سوريا، تُحدد القاهرة 4 عناصر رئيسية تمثل موقفها من التطورات في سوريا، وهي: (ضرورة احترام السيادة السورية ووحدة وتكامل أراضيها، والحفاظ على المؤسسات الوطنية السورية ومقدرات الدولة، وبدء عملية سياسية شاملة ذات ملكية وطنية سورية خالصة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق المجتمعي دون إملاءات أو تدخلات خارجية، بالإضافة إلى العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم سوريا في إعادة الإعمار والعودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم).
ونفت تقارير صحفية ما تناقلته وسائل إعلام عن زيارة قريبة لوزير الخارجية بدر عبدالعاطي إلى سوريا، وأوضحت أن وزير الخارجية في جولة إفريقية حاليا، حيث يزور دولة تشاد، وسيعود إلى القاهرة للقاء وزير الخارجية السوداني في العاصمة الإدارية، اليوم السبت، وأكد مصدر مطلع لوسائل إعلام أن مصر حريصة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، وعدم التدخل في شؤونها.
مشهد معقد بامتياز
الكاتب الصحفي الكبير عبدالله السناوي، يصف المشهد السوري بوضعه الجديد في تصريحات خاصة لـ”الرئيس نيوز” بـ”المعقد للغاية”.
فيقول: “مصر الدولة ذات الثقل الإقليمي لا تستطيع أن تنعزل عما يحدث في سوريا، حيث أمنها القومي من ناحية المشرق العربي. وكذلك لا تستطيع الذهاب جزافًا. أو بمعنى آخر (زيارة تقدم هدية مجانية للشرع وجماعته). لأنه من المؤكد أن تداعيات زيارة أي مسؤول مصري سيترتب عليها جملة من المتغييرات في الإقليم عمومًا وفي الشارع العربي على وجه الخصوص”.
يضيف السناوي: “الواقع يقول إن مصر لا تملك كثيرًا من الأوراق المادية على الأرض في الملف السوري، لكن تملك بلا شك إرثًا وتأثيرًا وجدانيًا كبيرًا في الشارع السوري؛ ليس فقط بسبب الوحدة بين البلدين خلال الأعوام 1958 حتى 1961. فهناك رمزية تاريخية هائلة بين البلدين. حتى أن أي نظام مهما كانت خلفيته وأيديولوجيته، سيظل منتظرًا التواصل مع مصر، لاكتمال شرعيته الخارجية، وإضفاء الزخم على أي تحركات له في الإقليم، مثلما يحدث في ليبيا؛ إذ أن عبدالحميد دبيبة المسيطر على العاصمة طرابلس، مكبل في غالبية تحركاته؛ لعدم وجود قنوات تواصل بينه وبين القاهرة. لذلك على القاهرة أن تثتثمر تلك القوة الوجدانية الكبيرة في الشارع السوري، ولا تُقدم على منح أي هدايا مجانية لأي أحد في سوريا إلا إذا كانت تعلم ما تريده من سوريا بشكلها الجديد”.
أهداف مختلفة في سوريا
الكاتب الصحفي الناصري يلفت النظر إلى أن جميع القوى الفاعلة في الوقت الحالي في الملف السوري (تركيا – إسرائيل) ومن ورائهما أمريكا، يحددون ما الذي يريدونه من سوريا.
يتابع: “النظام التركي يستهدف جملة من النقاط من وراء فرض الوصاية على سوريا، بينها محاربة الأكراد وقضم أجزاءًا من أراضي الشمال السوري؛ لإبعاد الأكراد عن الحدود التركية، وهناك حديث أيضًا عن رغبتها في ضم مدينة حلب ثاني أكبر المحافظات السورية، فضلًا عن وضع يديها على الثروات الطبيعية (غاز وبترول المتوسط) وقد أعلنت أخيرًا إنها تريد ترسيم الحدود البحرية مع سوريا في مياه المتوسط، كما تريد إنها النفوذ الروسي والإيراني من سوريا، بدعم من أمريكا.
يضيف: “أما دولة الاحتلال الإسرائيلي فتريد إنهاء أي تهديد سوري لها في المستقبل؛ لذا أول ما فعلت بعد سقوط الأسد، أكملت سيطرتها على مرتفعات الجولان، ودمرت ما تبقى من بنية تحتية للجيش السوري العربي، والمجموعات الحالية في سوريا يبدو أنهم لا يمنعون من فتح قنوات تواصل مع إسرائيل، أو حتى تطبيع. وقد ظهر ذلك أكثر من مرة، وكان أخرها تصريحات ما يسمى محافظ دمشق ماهر مروان. أما أمريكا فتريد إنهاء النفوذ الروسي من سوريا، وكذلك الحفاظ على مناطق نفوذ الأكراد حيث آبار النفط والغاز.
يستطرد السناوي حديثه قائلًا: “مصر كذلك لابد أن تحدد ما الذي تريده من سوريا الجديدة. ولا تعطي هدايا مجانية من دون مقابل. ولا تتناسى أن سياسات ما بعد اتفاقية كامب دافيد هي من أضعفت وجود مصر على الأرض في سوريا”.
التفكير بعمق
دعا السناوي إلى التفكير بعمق فيما تريده القاهرة من سوريا الجديدة. وعدم الانسياق وراء ما أسماه “هوجة الذهاب لسوريا”. فيقول: “أنا لا أمانع من الزيارة، لكن أمانع في أن تتم من دون تصور ما الذي نريد تحقيقه من ورائها. فالوفد الأمريكي حينما ذهب لمقابلة الشرع رفض أن تتم المقابلة في القصر الرئاسي؛ حتى لا يعطي الشرع هدية مجانية بإضفاء الشرعية عليه.
يضيف: “الذين يدعون للهرولة نحو دمشق الجديدة يريدون أن يمنحوا المجموعات التي تسيطر فيها على الأرض شرعية مجانية من دون مقابل، والسياسة لا تعترف بمثل هذه الانفعالات، فالسياسة قائمة في الأساس على تحقيق المنافع والمكاسب قدر الإمكان”. متسائلًا: “هل تريدون منح تنظيم القاعدة الشرعية السياسية؟ فالاتحاد الأوربي وأمريكا حتى الآن لم يُزيلوا الشرع وهيئته من قوائم الإرهاب. إنها سياسة العصا والجزرة”.
ماذا تريد القاهرة من سوريا؟
يوضح السناوي أن القاهرة لابد أن تعمل من الآن فصاعدًا على الضغط من أجل دولة مدنية ديموقراطية في سوريا، والإبقاء على بوابة المشرق العربي دولة موحدة، وكذلك العمل على استقلالية القرار السوري، وعدم السماح لأن تقع سوريا تحت وصاية جديدة، فبعد أكثر من 15 عامًا من الصراع لا يمكن أن تكون نهاية المشهد في سوريا، هو استبدال الوصاية الإيرانية بأخرى تركية. كما أن القاهرة لابد وأن تراقب عن كثب المؤشرات السورية الحالية، الرامية إلى التطبيع مع إسرائيل، فهناك موجة تطبيع مجاني مع إسرائيل. وإذا ما طبعت سوريا الجديدة مع إسرائيل، ستكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة للقضية الفلسطينية، وإغلاق صفحة كبيرة للصراع العربي الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن نظام الأسد كان متهالكًا وارتكب من الجرائم ما أفقدته شعبيته، إلا أنه كان يمانع التطبيع مع إسرائيل، ويدعم حركات المقاومة في غزة وجنوب لبنان”.
يؤكد السناوي على ضرورة التنسيق المصري الخليجي في الملف السوري، فالقاهرة تملك القوة المعنوية التي تضفي على أي نظام الشرعية في الشارع العربي، والخليج يملك القوى المالية اللازمة لإعادة الإعمار، وهذان ملفان مهمان لابد من استثمارهما في سوريا، وعدم ترك دمشق مرهونة بالأهداف التركية، فعلى القاهرة والخليج عدم تكرار الأخطاء التي أدت إلى استخواذ إيران على القرار السوري خلال الفترة الماضية، بالبعد والانعزال المبالغ فيه.
اختتم السناوي حديثة بالقول: “للأسف سوريا مقبلة على أيام صعبة. ستلقي بظلال قاتمة على المشهد في إقليم مضطرب منذ سنوات”.