
يسعى الكثيرون لتحسين جودة نومهم إدراكا لأهميته البالغة التي يؤكدها العلم لدعم صحة القلب والمناعة وتعزيز الوظائف الدماغية والنفسية. وفي هذا السياق تبرز استراتيجيات نظافة النوم كحل شائع لكن بعض ممارساتها الشائعة التي تتضمن عادات بيئية وسلوكية معينة قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتزيد من تفاقم مشكلات الأرق بدلا من حلها.
قد يتحول السعي الدؤوب لتحسين النوم إلى هوس يضر أكثر مما ينفع فهناك سوق عالمي ضخم يعرف باقتصاد النوم تتجاوز قيمته مئات المليارات ويشمل كل شيء من أجهزة التتبع إلى المراتب المتخصصة. ورغم أن هذه المنتجات قد تكون مفيدة إلا أنها قد تساهم في ظهور حالة حديثة تسمى الأرثوسومنيا وهي القلق المفرط الناجم عن محاولة تحسين جودة النوم. يجب تذكر أن النوم وظيفة ذاتية في الجسم مثل الهضم ولا يمكن إجباره على الحدوث والمفارقة أن الحل الأفضل أحيانا يكمن في تقليل الاهتمام الزائد بالنوم وترك الجسم يؤدي وظيفته الطبيعية.
من النصائح الشائعة أيضا التخلي التام عن الشاشات قبل النوم بحجة أن الضوء الأزرق يثبط إنتاج هرمون الميلاتونين المنظم للنوم. لكن هذه النظرة قد تكون مفرطة في التبسيط ففي كثير من الحالات يلجأ من يعانون من الأرق إلى هواتفهم نتيجة عدم قدرتهم على النوم وليس العكس. إن الاستلقاء في الظلام دون أي مشتتات يمكن أن يخلق بيئة مثالية للقلق والتفكير المفرط ما يفاقم صعوبة النوم. وبدلا من الحظر الكامل يمكن استخدام الشاشات بذكاء عبر اختيار محتوى هادئ وغير محفز مع تفعيل الوضع الليلي حيث يمكن لفيلم وثائقي لطيف أو بودكاست هادئ أن يكون وسيلة فعالة للاسترخاء.
كذلك يعتقد البعض أن قضاء وقت أطول في السرير يعوض النوم الفائت فيلجؤون إلى الذهاب للفراش مبكرا أو البقاء فيه لوقت متأخر صباحا. لكن هذا السلوك يضعف الارتباط الذهني بين السرير والنوم ويعزز مشاعر الإحباط والقلق. الحل يكمن في تحديد وقت النوم بدقة والالتزام بموعد استيقاظ ثابت حتى في عطلات نهاية الأسبوع. هذا الإجراء يعزز ما يعرف بضغط النوم وهو الحاجة البيولوجية للجسم إلى الراحة ويعيد برمجة الدماغ لربط السرير بالنوم الفعلي بدلا من الأرق.
على صعيد آخر ينصح البعض بالتوقف التام عن تناول الكافيين لأنه يمنع عمل الأدينوزين وهو ناقل عصبي مسؤول عن الشعور بالنعاس. لكن استجابة الأجسام للكافيين تختلف بشكل كبير حيث تلعب العوامل الجينية دورا حاسما في سرعة استقلابه. قد يجد البعض أن فنجان القهوة الصباحي يساعدهم على التغلب على خمول الاستيقاظ ويدعم إيقاع نوم واستيقاظ صحي. فإذا لم تكن تعاني من حساسية مفرطة للكافيين فإن التوقف عنه تماما ليس ضروريا دائما والمفتاح هو فهم استجابة جسدك الفردية له وتجنبه في وقت متأخر من اليوم.
من المهم أيضا التخلي عن فكرة توقع الحصول على نفس عدد ساعات النوم كل ليلة. فالنوم الصحي ليس رقما ثابتا بل هو عملية متغيرة تتأثر بالعديد من العوامل الحياتية مثل التوتر والصحة البدنية والعمر والبيئة المحيطة وحتى مسؤوليات مثل الأبوة والأمومة. على سبيل المثال تتكيف أنماط نوم الآباء والأمهات الجدد لتلبية احتياجات أطفالهم الرضع وهذا يثبت أن مرونة النوم كانت دائما سمة أساسية من سمات البقاء لدى البشر.