اليقظة أثناء النوم.. تجارب غامضة تقود العلماء لكشف أسرار الوعي البشري

اليقظة أثناء النوم.. تجارب غامضة تقود العلماء لكشف أسرار الوعي البشري
اليقظة أثناء النوم.. تجارب غامضة تقود العلماء لكشف أسرار الوعي البشري

كشف باحثون عن دراسة حديثة تستكشف لغزًا علميًا عميقًا يتعلق بطبيعة الوعي البشري حيث توصلوا إلى أن بعض الأفراد يختبرون حالة فريدة من اليقظة الهادئة خلال نومهم العميق وهي حالة إدراكية مجردة تمامًا من الأحلام والأفكار أو أي محتوى حسي.

إن هذه الظاهرة النادرة التي قد تبدو غريبة للكثيرين تحمل في طياتها مفاتيح محتملة لكشف أحد أكثر الألغاز تعقيدًا في العلم وهو فهم ماهية الوعي نفسه وما يعنيه أن تكون واعيًا. وإذا ثبت وجود هذه الحالات فإنها ستجبر المجتمع العلمي على إعادة النظر في كافة المفاهيم التقليدية السائدة حول الإدراك وتفتح آفاقًا جديدة نحو فهم أوسع وأكثر تجريدًا لهذا الجانب الأساسي من التجربة الإنسانية.

ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة شرع فريق من الباحثين في إجراء استطلاع واسع النطاق شمل 573 شخصًا تم سؤالهم عن تجارب نومهم غير المعتادة وركز الاستطلاع على أشكال الوعي البسيطة أو غير الواضحة التي قد تحدث أثناء النوم مثل إدراك المرء أنه نائم بعمق أو استمرار الإدراك بعد انتهاء الحلم مباشرة. وبعد تحليل النتائج الأولية أجرى الباحثون مقابلات معمقة مع 18 مشاركًا كانوا قد أفادوا بخوضهم تجارب نوم غير مرتبطة بموضوع محدد. وقد استُخدم في هذه المقابلات بروتوكول متخصص مستوحى من المقابلة الظاهراتية الدقيقة لمساعدة المشاركين على استحضار ووصف تفاصيل تجاربهم بأقصى قدر من الدقة والوضوح.

أطلق العلماء على هذه الحالات المكتشفة مصطلح تجارب النوم بلا موضوع وهي حالات وعي تبدو خالية من أي موضوع للإدراك نفسه. وفي جميع هذه الحالات وصف المشاركون تجربتهم بأنها فترة نوم غابت عنها الأحلام والصور الحسية والمشاعر ولكنهم كانوا يدركون فقط حقيقة أنهم واعون دون وجود أي محتوى ذهني يشغل هذا الوعي.

تطابقت بعض هذه الأوصاف بشكل لافت مع ما ورد في الفلسفات الشرقية القديمة حول حالات النوم الواعي حيث تصف هذه التقاليد حالة وعي خالية من الأنا أو الذات بحيث لا يتبقى لدى الشخص أي إحساس بوجوده كـ “أنا” منفصلة. وأفاد بعض المشاركين في الدراسة بأنهم شعروا وكأن ذواتهم قد اختفت أو ذابت بالكامل وهي حالة تشبه إلى حد كبير ما يُعرف بـ “ذوبان الأنا” الذي يمكن أن يحدث نتيجة لتأثيرات بعض المواد المخدرة مثل ثنائي ميثيل تريبتامين أو خلال جلسات التأمل العميق والمطول.

لم تقتصر التجارب الموصوفة على نمط واحد بل شملت طيفًا واسعًا من الأحاسيس فبينما ذكر البعض شعورًا غامضًا بالتواجد في حالة غير محددة أو إدراكًا مباشرًا للفراغ والعدم وصف آخرون تجاربهم بأنها تضمنت أشكالًا بدائية جدًا من الأحلام أو شعورًا بالتواجد داخل عالم ما حتى وإن كان هذا العالم غامضًا ومفتقدًا للتفاصيل.

وعلى الرغم من أن تجارب النوم غير الموضوعية مثل النوم الواعي غالبًا ما ترتبط بالممارسات التأملية المتقدمة مثل اليوغا التبتية للأحلام إلا أن نتائج الدراسة تشير إلى أن أشخاصًا عاديين لم يمارسوا هذه التقنيات من قبل قد مروا بهذه الظاهرة أيضًا. وفي الواقع لم يظهر الاستطلاع الذي أجري عبر الإنترنت أي علاقة إحصائية واضحة بين ممارسة التأمل بانتظام وبين الإبلاغ عن تجارب النوم بلا موضوع. ومع ذلك وجد الباحثون أن تجربة الأحلام الواضحة التي يدرك فيها الشخص أنه يحلم قد تكون مرتبطة إلى حد ما بهذه الحالات لكن ليس كل من عايشوا الأحلام الواضحة قد أبلغوا بالضرورة عن تجربة الوعي الخالي من المحتوى.

لقد طرحت هذه الظاهرة منذ القدم إشكالية كبيرة أمام الفكر العلمي الغربي الذي يفترض دائمًا أن الوعي يجب أن يكون وعيًا بشيء ما مثل الإحساس بجهاز الكمبيوتر أو سماع صوت معين أو التفكير في فكرة ما. فالسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن أن يوجد وعي خالص من دون أي محتوى واعٍ يشغله وهو ما يتناقض مع الفهم السائد. هذا المفهوم ليس جديدًا بالكامل فقد وصفته التقاليد التأملية الشرقية منذ قرون خاصة في الفلسفة الهندية المعروفة باسم أدفايتا فيدانتا التي تفسر مرحلة النوم العميق أو ما يسمى “سوشوبتي” بأنه ليس غيابًا للوعي بل هو نوع من الوعي الصافي الذي يستمر فيه الإدراك لكن دون أفكار أو أحلام.