
أظهرت دراسة حديثة أن النزعة المتزايدة لدى كبار السن لرؤية العالم بنظرة أكثر إيجابية وتفاؤلا قد لا تكون دائما سمة نفسية حميدة بل قد تحمل في طياتها مؤشرا مبكرا على تدهور إدراكي محتمل. فالميل المفرط لتفسير تعابير وجوه الآخرين على أنها إيجابية يمكن أن يكون علامة تحذيرية لبداية عمليات تنكس عصبي مرتبطة بأمراض مثل الزهايمر.
اعتمدت الدراسة على بيانات مستقاة من 665 شخصا تراوحت أعمارهم بين 18 و89 عاما. خضع المشاركون لسلسلة من الاختبارات تضمنت تقييم قدرتهم على تمييز المشاعر في وجوه تم إنشاؤها رقميا بالإضافة إلى إجراء فحوصات باستخدام الرنين المغناطيسي لتقييم بنية الدماغ واختبارات أخرى لقياس التدهور المعرفي ومستويات الاكتئاب.
كشفت النتائج أن المشاركين الأكبر سنا كانوا أسرع في تحديد الوجوه الإيجابية وأقل ميلا لوصف الوجوه المحايدة أو الغامضة بأنها سلبية. وربط الباحثون هذا التحيز الإيجابي بتغيرات مادية في الدماغ حيث لاحظوا تراجعا في حجم المادة الرمادية بمنطقتي الحصين واللوزة الدماغية وهما منطقتان حيويتان لمعالجة العواطف.
تتحدى هذه النتائج التفسير التقليدي المعروف بنظرية الانتقائية الاجتماعية والعاطفية التي كانت ترى في هذا التحيز آلية تكيفية لحماية الصحة العقلية للمسنين. وما يعزز الفرضية الجديدة هو أن الدراسة وجدت ارتباطا بين هذا التحيز والتدهور المعرفي لكنها لم تجد أي علاقة له بالاكتئاب مما يشير إلى أنه قد يكون علامة على الخرف وليس مجرد سلوك ناتج عن الحالة المزاجية.
وتنسجم هذه الملاحظات مع أبحاث سابقة أظهرت أن الأشخاص في المراحل الأولى من الخرف يواجهون صعوبة في التمييز بين المشاعر المختلفة خاصة المشاعر السلبية كالغضب والخوف والحزن والتي ثبت علميا أنها أكثر صعوبة في التعرف عليها مقارنة بمشاعر السعادة.
ورغم أن الباحثين أقروا بأن طبيعة دراستهم اللحظية لا تسمح بتأكيد علاقة سببية مباشرة لأنها لا تتبع الأفراد على مدى زمني طويل إلا أن النتائج تفتح آفاقا جديدة. فقد تمهد الطريق مستقبلا لتطوير أدوات تشخيصية تعتمد على قدرة الشخص على تفسير العواطف للكشف المبكر عن التدهور المعرفي في وقت يكون فيه التدخل أكثر فاعلية.